أنه سدلَ شعره موافقةً لهم، ثم فرقَ شعره بعدُ، ولهذا صار الفَرْق شِعار المسلمين.وكان مـن الشروط المشروطة على أهل الذِّمـة ألاَّ يفرقـوا شعورَهم. وهذا، كما أنَّ الله شرعَ له في أولِ الأمر استقبالَ بيت المقدس موافقةً لأهل الكتاب، ثم إنه نَسخ ذلك، وأمر باستقبال الكعبة، وأخبر عن اليهود وغيرهم من السُّفهاء أنهم سيقولون: ﴿مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيۡهَاۚ﴾ [البقرة: 142].وأخبر أنهم لا يرضَون عن رسول الله حتى يتَّبع قِبلتَهم. وأخبره أنه إن اتبع أهواءهم بعد ما جاءه من العلم ما له من الله من ولي ولا نصير. وأخبره أنه إن اتبع أهواءهم بعد الذي جاءه من العلم إنه إذن لمن الظالمين وأخبره أن ﴿وَلِكُلّٖ وِجۡهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَاۖ﴾ [البقرة: 148]. وكذلك أخبره في غير موضع أنَّه جعل لكلٍّ شِرعةً ومنهاجًا. فالشِّعارُ مِن جُملة الشِّرعة، والذي يوضح ذلك: أنَّ هذا اليوم عاشوراء الذي صامه وقال: «نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ» قد شَرع قُبيل موتِه مخالفةَ اليهود في صومِه، وأمر صلى الله عليه وسلم بذلك. ولهذا كان ابن عباس رضي الله عنهما - وهو الذي يقول: كان يعجبُه موافقة أهلِ الكتاب فيما لم يُؤمر به بشيء، وهو الذي روى قولَه: «نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ» - أشدَّ الصحابة رضي الله عنهم أمرًا بمخالفة اليهود في صوم عاشوراء. وقد ذكرنا أنَّه هو الذي روى شرع المخالفة. وروى أيضًا مسلمٌ في «صحيحه» ([1])، عن الحكم بن الأعرج، قال: انتهيت إلى ابن عباس رضي الله عنهما وهو متوسِّد رداءَه في زمزمَ، فقلت له: أخبرني عن صوم يوم عاشوراءَ، فقال: إذا رأيتَ هِلالَ المحرَّم، فاعدُدْ وأصبِح يومَ
([1])أخرجه: مسلم رقم (1133).