×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء الأول

ففي هذا الحديث الحث على تقصير الأمل في الدنيا، فإن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطنًا ومسكنًا، فيطمئن فيها، ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر، همه جمع جهازه للرحيل، وقد اتفقت على ذلك وصايا الأنبياء وأتباعهم؛ قال تعالى حاكيًا عن مؤمن آل فرعون: ﴿يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا مَتَٰعٞ وَإِنَّ ٱلۡأٓخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلۡقَرَارِ [غافر: 39]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رَاكِبٍ قَالَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» ([1])، ومن وصايا المسيح عليه السلام لأصحابه أنه قال لهم: (أعبروها ولا تعمروها)، وروي عنه أنه قال: (من ذا الذي يبني على موج البحر دارًا، تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارًا).

وروى ابن أبي الدنيا بسنده عن الحسن قال: بلغني «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ» ([2]) قَوْمٍ سَلَكُوا مَفَازَةً غَبْرَاءَ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَدْرُوا مَا سَلَكُوا مِنْهَا أَكْثَرُ أَمْ مَا بَقِيَ، أَنْفَدُوا الزَّادَ، وَحَسَرُوا الظَّهْرَ، وَبَقُوا بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْمَفَازَةِ، لا زَادَ، وَلا حَمُولَةَ، فَأَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ فِي حُلَّةٍ يَقْطُرُ رَأْسُهُ، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا قَرِيبُ عَهْدٍ بِرِيفٍ، وَمَا جَاءَكُمْ هَذَا إِلا مِنْ قَرِيبٍ. قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ قَالَ: يَا هَؤُلاءِ عَلامَ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: عَلَى مَا تَرَى. قَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ هَدَيْتُكُمْ إِلَى مَاءٍ وَرِيَاضٍ خُضْرٍ، مَا تَجْعَلُونَ لي؟ قَالُوا: لا نَعْصِيكَ شَيْئًا. قَالَ: أَعْطُونِي عُهُودَكُمْ وَمَوَاثِيقَكُمْ بِاللَّهِ، قَالَ: فَأَعْطُوهُ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ بِاللَّهِ لا يَعْصُونَهُ


الشرح

([1])  أخرجه: الترمذي رقم (2377)، وابن ماجه رقم (4109)، وأحمد رقم (2744).

([2])زيادة من طبعة دار المعارف.