في الهجرة النبوية
الحمد لله الذي شرع
الهجرة والجهاد، لنشر الدين وقمع الفساد، نحمده تعالى إذ نصر عبدُه وأعز جُنده،
وهزم الأحزاب وحده، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن مُحمدًا
عبده ورسوله المهاجر بدينه من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، والقائل: «لاَ
تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلاَ تَنْقَطِعُ
التَّوْبَةُ حَتَّى تَخْرُجَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» ([1]). صلى الله عليه
وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها المسلمون: اتقوا الله واشكروه على نعمة الإسلام. فقبل البعثة النبوية كان الناسُ -إلا من شاء الله- على الضلال، يعيشون على النهب والسلب والقتال، يعبدون الشجر والحجر والأصنام والأولياء والصالحين، ويتبعون كل كاذب وساحر وكاهن ودجال، فبعث الله فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، فهدى به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وبصَّر به من العمى، فقام بأداء رسالة ربه خير قيام، فبشر وأنذر، وصدع بأمر الله تعالى وجهر، وجعل المشركون يسخرون منه ويستهزئون به ويؤذونه أشد الأذى ويُعذبون من آمن به ليردوهم عن دينهم، وكان عمُهُ أبو طالب يحميه من أذى قومه، وكانت زوجُه خديجةُ رضي الله عنها تؤنسه وتُعينه، واشتد أذى قومه له ولمن آمن به، ومات عمه أبو طالب وزوجه خديجة في عام واحدٍ، فاشتد حُزنه صلى الله عليه وسلم وتطاول عليه المشركون، واشتدت به صلى الله عليه وسلم الكُربة وضاق به
الصفحة 1 / 538