الحال، فخرج صلى
الله عليه وسلم من مكة إلى أهل الطائف ليدعوهم إلى الله لعلهم يؤمنون به
ويناصرونه، حتى يبلغ رسالة ربه، فقابل رؤساءهم وعرض عليهم ما جاء إليهم من أجله،
فردوا عليه ردًا قبيحًا وأغروا عبيدهم وغلمانهم يسبونه ويرمونه بالحجارة، حتى
أصابوا رجله، وسال الدم من عقبه.
فرجع عنهم قاصدًا مكة ولكن أنى له بمكة وفيها ألدُ أعدائه، لقد تكالبت عليه الأعداء من كل جهةٍ؛ وحينئذٍ لجأ إلى ربه ومد يديه ودعا بهذا الدعاء العظيم حيث قال: «اللَّهُمَّ إِنَّي أَشْكُو إِلَيْكَ ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي، إِلَى بِعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي، أَمْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي، إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلاَ أُبَالِي، غير أنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ أَنْ يَحِلَّ عَلَيَّ غَضَبُكَ أَوْ أَنْ يَنْزِلَ بِي سَخَطُكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ» ([1]). وقد سمع الله عز وجل شكواهُ فما أتم حتى أرسل إليه ملك الجبال يستأذنه أن يُطبق الأخشبين على أهل مكة -وهما الجبلان اللذان هي بينهما- فقال صلى الله عليه وسلم: «بَلْ أَسْتأنِي بِهِم، لَعَلَّ اللهَ أن يُخرِجُ مِنْ أَصْلاَبِهِم مَنْ يَعْبُدُه لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» ([2]). وبقي صلى الله عليه وسلم أيامًا في طريقه بين الطائف ومكة. وقال له زيدُ بن حارثة رضي الله عنه: كيف تدخل على أهل مكة وقد أخرجوك؟ فقال صلى الله عليه وسلم:
([1]) أخرجه: الطبراني في ((الكبير))رقم (14764)، والضياء رقم (162).