منها احتال عليه بمنعه من الصلاة مع الجماعة، «ثم بمنعه من أدائها في وقتها. فإن لم يستطع منعه عن الجماعة أغراه بالتكاسل والتأخير عن» ([1]) الحضور إلى المسجد حتى يفوته بعضها، ويحرمه فضيلة السبق إلى المسجد وحضور الصلاة من أولها، وهذا هو الواقع اليوم من كثير من المسلمين، فمنهم أعداد كثيرة من جيران المساجد لا يدخلون المساجد للصلاة فيها، أو يدخلونها لبعض الصلوات ويتركون بعضها، وأعداد كثيرة تحضر إلى المساجد متأخرة لا تدرك إلا بعض الصلاة مع الإمام أو لا تدرك منها شيئًا. فأما الذين ضيعوا الصلاة مع الجماعة فهؤلاء قد عصوا الله ورسوله وعرضوا أنفسهم لسخط الله، واستحقوا العقوبة العاجلة والآجلة، وحرموا أنفسهم خيرًا كثيرًا، واسمعوا هذه النصوص من كتاب الله وسنه رسوله توجب الصلاة مع الجماعة وتنذر من أخل بهذا الواجب بعذاب أليم:
قال الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ﴾[البقرة: 43]، فأمر بإقامة الصلاة والركوع مع الراكعين، وهذا يعني فعلها مع جماعة المصلين، والأمر المقيد بصفةٍ أو حالٍ لا يكون المأمور ممتثلاً إلا إذا أتى به على تلك الحال أو الصفة، فدلت الآية على أن الصلاة لا بد لها من جماعةٍ تقام فيها.
وقال تعالى: ﴿يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ ٤٢ خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ ٤﴾ [القلم: 42- 43].
فيعاقبهم سبحانه يوم القيامة بأن يحول بينهم وبين السجود هناك، لأنه لما دعاهم إلى السجود في الدنيا في المساجد أبوا أن يجيبوا
([1]) زيادة من طبعة دار المعارف.