هذا الغُلام. ولن يغني حذر من قدر! فاحترز كل
الاحتراز ألا يوجد مُوسى، حتى جعل رجالاً وقوابل يدورون على الناس الحوامل،
ويعلمون ميقات وضعهن، فلا تلدُ امرأةٌ ذكرًا إلا ذبحهُ من ساعته.
ولما ولد موسى عليه
السلام، ضاقت به أمه ذرعًا، وخافت عليه، فألهمها الله أن اتخذت له تابوتًا أي
صندوقًا وكانت دارها مجاورة لنهر النيل، فوضعت موسى في ذلك التابوت، وألقته في
النهر، فحملهُ الماء حتى مر على دار فرعون ﴿فَٱلۡتَقَطَهُۥٓ ءَالُ فِرۡعَوۡنَ﴾ [القصص: 8] ولما فتحوا التابوت
ووجدوا فيه ذلك الغلام، ووقع نظرُ امرأة فرعون عليه، أحبته حُبًا شديدًا، فلما جاء
فرعون طلبت منه ألا يقتله ودافعت عنه وقالت: ﴿قُرَّتُ عَيۡنٖ لِّي وَلَكَۖ﴾ [القصص: 9] وقد أنالها اللهُ ما رجت منه من النفع، فهداها
الله بسببه وأسكنها جنته، ولما استقر هذا الغُلام في دار فرعون أرادوا أن يغذوه
بالرضاع، فلم يقبل ثديًا، فحاروا في أمره، واجتهدوا على تغذيته بكل ممكن، فلم
يقبل؛ كما قال تعالى: ﴿وَحَرَّمۡنَا
عَلَيۡهِ ٱلۡمَرَاضِعَ مِن قَبۡلُ﴾ [القصص: 12] فأرسلوه مع القوابل لعلهم يجدون من المراضع من
يقبل ثديها، فرأته أخته ولم تظهر أنها تعرفه، بل قالت ﴿هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰٓ أَهۡلِ بَيۡتٖ يَكۡفُلُونَهُۥ لَكُمۡ وَهُمۡ لَهُۥ نَٰصِحُونَ﴾ [القصص: 12] ففرحوا بذلك وذهبوا
معها إلى منزلهم، فأخذته أمه والتقم ثديها وأخذ يمتصه ويرتضعه، وكان ذلك بتقدير
الله وعنايته، قال تعالى: ﴿فَرَدَدۡنَٰهُ إِلَىٰٓ أُمِّهِۦ كَيۡ تَقَرَّ عَيۡنُهَا وَلَا تَحۡزَنَ
وَلِتَعۡلَمَ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ﴾ [القصص: 13].
فلما كبر موسى عليه
السلام كانت له بديار مصر صولةٌ، بسبب نسبته إلى تبني فرعون له وتربيته في بيته،
وكان يركب مراكبه ويلبس مثل ما يلبس،