قال بعض السلف: إذا عرض بلاءٌ فقدم مالك دون نفسك، فإن تجاوز البلاء فقدم نفسك دون دينك. نعم يجب تقديم النفس دون الدين، ولذلك شرع الجهاد الذي فيه القتل حفاظًا على الدين، لأن الإنسان إذا فقد الدين فقد كل شيء، وإذا أعطي الدين فقد أعطي السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون: إن السفر إلى بلاد الكفار، خصوصًا في هذا الزمان الذي عظمت فيه الفتنة وتنوعت، «إن السفر إلى تلك البلاد» ([1]) لا يجوز إلا في حالات محدودة، تصل إلى حد الضرورة، مع التحفظ والحذر والابتعاد عن مواطن الفساد، وتكون إقامة المسلم هناك بقدر الضرورة، مع اعتزازه بدينه وإظهاره ومحافظته على الصلوات في أوقاتها، واعتزاله عن مجمعات الفساد، وجلساء السوء. فاعتزاز المسلم بدينه يزيده عزًا ورفعة، حتى في أعين الكفار، إن المسلم يحمل دينًا عظيمًا، يشتمل على كل معاني الخير، وحميد الخصال، صحةً في الاعتقاد ونزاهة في العرض، واستقامةً في السلوك، وصدقًا في المعاملة، وترفعًا عن الدنايا، وكمالاً في الأخلاق. إن المسلم يحمل الدين الكامل الذي اختاره الله لأهل الأرض كلهم إلى أن تقوم الساعة. إن المسلم هو المثال الصحيح للكمال الإنساني، وإن ما عدا الإسلام فهو انحطاطٌ وهبوطٌ، ورجوعٌ بالإنسانية إلى مهاوي الرذيلة، ومواطن الهلاك.
فيجب على المسلم إذا اضطر إلى السفر إلى تلك البلاد الكافرة أن يحمل هذا الدين بقوة، وأن يظهره بشجاعةٍ أمام أعدائه والذين يجهلون
([1]) زيادة من طبعة دار المعارف.