وبالصدق يصل العبد
إلى منازل الأبرار، وبه تحصل النجاة من جميع الشرور، وإن البركة مقرونةٌ بالصدق، قال
صلى الله عليه وسلم: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا،
فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا
وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» ([1])متفق عليه.
والمشاهدة أكبر
شاهدٍ على ذلك، فإنك لا تجد صادقًا في معاملته إلا وجدت رزقه رغدًا، وقد حاز مع
ذلك الشرف وحُسن السُمعة، ويتسابق الناس إلى معاملته، وبذلك تتم له السعادة الدنيا
والآخرة، لا ترى صادقًا إلا وهو مرموق بين الناس بالمحبة والثناء والتعظيم،
فالصادق يطمئن إلى قوله العدو والصديق، والكاذب لا يثق به الصديق والقريب، ما أحلى
أحاديث الصادقين! وما أقبح أقوال الكاذبين! الصادق الأمين مؤتمنٌ على الأموال
والحقوق والأسرار، ومتى حصل منه كبوةٌ أو عثرةٌ فصدقه شفيعٌ مقبولٌ، والكاذب لا
يؤمن على مثقال ذرةٍ، ولو قُدر صدقه أحيانًا لم يكن لذلك موقعٌ، ولا حصل به ثقةٌ
ولا طمأنينةٌ.
بالصدق تُبرم العهود
الوثيقة، وتطمئن له القلوب على الحقيقة، من صدق في حديثه مخاطبًا ومجيبًا، وآمرًا
وناهيًا، وتاليًا وذاكرًا، ومعطيًا وآخذًا - كان عند الله وعند الناس صادقًا
محبوبًا مكرمًا موثوقًا به، شهادته برٌ، وحكمه عدلٌ، ومعاملته نفعٌ، ومجالسته
بركةٌ.
ومَن صدق في عمله بَعُد من الرياء والسمعة، لا يريد بفعله وتركه إلا الله عز وجل، صلاته وبركاته، وصومه وحجه، ووصله وهجره، وصمته ونطقه، وحركته وسكونه - لله وحده لا شريك له، لا يريد بإحسانه رياءً ولا خديعة، ولا يطلب به من أحدٍ غير الله جزاءً ولا شكورًا،
([1]) أخرجه: البخاري رقم (2411)، ومسلم رقم (1532).