×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء الأول

واسمعوا هذه القصة العجيبة: روى الإمام أحمد عن يزيد بن ميسرة قال: كان رجل ممن مضى جمع مالاً فأوعى (يعني: كان لا ينفق منه) ثم أقبل على نفسه وهو في أهله فقال: أنعم سنين، فأتاه ملك الموت فقرع الباب في صورة مسكينٍ، فخرجوا إليه فقال: ادعوا لي صاحب الدار، فقالوا: يخرج سيدنا إلى مثلك؟ ثم مكث قليلاً ثم عاد فقرع «الباب» ([1]) الدار وصنع مثل ذلك، وقال: أخبروه أني ملك الموت، فلما سمعه سيدهم قعد فزعًا وقال: لينوا له الكلام، قالوا: ما تريد غير سيدنا بارك الله فيك؟ قال: لا، فدخل عليه فقال: قم فأوص ما كنت موصيًا فإني قابضً نفسك قبل أن أخرج، قال: فصرخ أهله وبكوا، ثم قال: افتحوا الصناديق وافتحوا أوعية المال، ففتحوها جميعًا، فأقبل على المال يلعنه ويسبه، يقول: لعنت من مالٍ، أنت الذي أنسيتني ربي، وشغلتني عن العمل لآخرتي حتى بلغني أجلي، فتكلم المال فقال: لا تسبني، ألم تكن وضيعًا في أعين الناس فرفعتك؟ ألم ير عليك من أثري، وكنت تحضر سدد الملوك والسادة فتدخل، ويحضر عباد الله الصالحون فلا يدخلون؟ ألم تكن تخطب بنات الملوك والسادة فتزوج، ويخطب عباد الله الصالحون فلا يزوجون؟ ألم تكن تنفقني في سبيل الخبث فلا أتعاصى؟ ولو أنفقتني في سبيل الله لم أتعاص عليك، وأنت ألوم منى، إنما خُلقت أنا وأنتم يا بني آدم من تراب، فمنطلق ببر ومنطلقٌ بإثم، فهكذا يقول المال فاحذروا.

أيها المسلمون: إنكم وسعتم المساكن، وزخرفتم الفلل، وكدستم الأموال، فاحذروا العاقبة، تذكروا ظلمة اللحود، وضيق القبور،


الشرح

([1])  استبدال من طبعة دار المعارف.