×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء الأول

ومن العجب كل العجب أن العبد يصدق بدار الخلود، وهو يسعى لدار الغرور! سرور الدنيا كأحلام نومٍ، او كظل زائل، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيرًا، وإن سرت يومًا أو أيامًا ساءت أشهرًا وأعوامًا، وإن متعت قليلاً منعت طويلاً، وما حصل العبد فيها سرورًا، إلا خبأت له أضعاف ذلك شرورًا، قال ابن مسعود: «لكل فرحةٍ ترحةٌ، وما ملئ بيتٌ فرحًا إلا ملئ ترحًا».

قال صلى الله عليه وسلم: «مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمِ صَيفٍ، فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» ([1]).

خطب بعض العلماء فقال: أما بعد، فإن الدنيا دار ممر، والآخرة دار مقر، فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم، وأخرجوا الدنيا من قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، وختم خطبته.

مر سليمان بن داود، عليهما السلام في موكبه والطير تظله، والجن والإنس عن يمينه وشماله، فمر عابدٌ من عباد بني إسرائيل فقال: والله يا ابن داود، لقد آتاك الله ملكًا عظيمًا، فسمع سليمان كلمته فقال: تسبيحةٌ في صحيفة مؤمنٍ خيرً مما أُعطي ابن داود، وما أعطي ابن داود يذهب والتسبيحة تبقى، من تفكر في الدنيا علم أنها دار راحلة، فجمع للسفر رَحْلَه، ويعلم أن مبدأ السفر من ظهور الآباء إلى بطون الأمهات، ثم إلى القبر، ثم إلى الحشر، ثم إلى دار الإقامة الأبدية، فدار الإقامة هي دار السلام من جميع الآفات إن كان من أهل الجنة، أو دار العذاب الأبدي إن كان من أهل النار.


الشرح

([1])  أخرجه: الترمذي رقم (2377)، وابن ماجه رقم (4109)، وأحمد رقم (2744)