فإن الشيطان يشم قلب
العبد ويختبره: فإن رأى فيه إعراضًا عن الدين أو تكاسلاً عن الطاعة، رغبة في
التساهل والتكاسل، حتى يتحلل من الدين، فيترك الواجبات، ويفعل المحرمات، ولا يزال
يغريه حتى يقطع صلته بالدين، ويتركه في متاهات الهلاك.
وإن رأى من العبد
حرصًا على الدين، فلم يتمكن من صده عنه، أمره بالاجتهاد والجور على النفس، ومجاوزة
حد الاعتدال قائلاً له: إن هذا خيرٌ وطاعةٌ، والزيادةُ والاجتهاد فيها أكمل، فلا
تفتر مع أهل الفتور، ولا تنم مع أهل النوم. فلا يزال يحثه ويحرضه حتى يخرجه عن
الاستقامة، وهذا كحال الخوارج الذين يحقر أهل الاستقامة صلاتهم مع صلاتهم، وصيامهم
مع صيامهم، وقراءتهم مع قراءتهم، وهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.
وكلا الطرفين ذميم:
طرف التساهل، وطرف الغلو، كلاهما خروج عن السُنة والاستقامة، فالأول: خروج إلى
بدعة التفريط والإضاعة، والثاني: خروج إلى بدعة المجاوزة والإسراف.
قال بعض السلف: ما
أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط، وإما إلى مجاوزة، وهي
الإفراط، ولا يبالي بأيهما ظفر، زيادة أو نقصانًا. فكل الخير في الاجتهاد المقرون
بالاعتدال والسير على السُنة، وكل الشر في الخروج عن السُنة عن طريق التساهل، أو
عن طريق الغلو.
عباد الله: بعض
الناس يقول: آمنا بالله، لكنه لا يكون مستقيمًا على دين الله، بل يكتفي بمجرد
القول، وفي هؤلاء يقول الله تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي
ٱللَّهِ جَعَلَ فِتۡنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ﴾ [العنكبوت: 10]، فهو ينحرف عند
أدنى محنةٍ، ويضل عند أدنى شُبهةٍ