×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء الأول

 أَنْ تَذْكُرُوا اللهَ تعالى، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ مَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ الْعَبْدُ لاَ يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلاَّ بِذِكْرِ اللهِ» ([1])، فلو لم يكُن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة، لكان حقيقًا ألا يفتر لسانُه من ذكر الله تعالى، وألا يزال لهجًا بذكره، فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة، فهو يرصدهُ، فإذا غفل وثب عليه وافترسه، وإذا ذكر الله تعالى انخنس عدو الله وتصاغر وانقمع، ولهذا سُمي: (الوسواس الخناس)؛ أي: يوسوسُ في الصدور، فإذا ذُكر الله تعالى خنس؛ أي: كف وانقبض.

وقد أمر الله بالإكثار من ذكره، لشدة حاجة العبد إليه، وعدم استغنائه عنه طرفة عين، فأي لحظةٍ خلا فيها العبد عن ذكر الله عز وجل كانت عليه لا له، وكان خُسرانه فيها أعظم مما ربح في غفلته عن ذكر الله. ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والحديد وغيرهما، وجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء، فإذا ترك صدئ وإذا ذكر العبد ربه جلا عن قلبه ذلك الصدأ.

وصدأ القلب بأمرين: بالغفلة، والذنب، وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار، والذكر. فمن كانت الغفلةُ أغلب أقاته، كان الصدأ مُتراكمًا على قلبه، وصدؤه بحسب غفلته وإذا صدئ القلب لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه؛ فيرى الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل؛ لأنه لما تراكم عليه الصدأ أظلم، فلم تظهر فيه صور الحقائق كما هي عليه، فإذا تراكم عليه الصدأ واسود وركبهُ الران، فسد


الشرح

([1])  أخرجه: الترمذي رقم (2863).