ولما امتن سبحانه
باللباس الحسي الذي يُتَّخَذُ لستر العورة وتدفئة الجسم وتجميل الهيئة، نبه على
لباس أحسن منه وأكثر فائدة؛ وهو لباس التقوى الذي هو التحلي بالفضائل، والتخلي عن
الرذائل، ولباس التقوى هو الغاية وهو المقصود، ولباس الثياب معونة عليه، ومن فقد
لباس التقوى لم ينفعه لباس الثياب؛
إذا المرء لم يلبس
ثيابًا من التقى*** تقلب عريانًا وإن كان
كاسيًا
ولباس التقوى يستمر
مع العبيد، لا يبلى ولا يبيد، وهو جمال القلب والروح، ولباس الثياب إنما يستر
العورة الظاهرة في وقت من الأوقات، ثم يبلى ويبيد، وقوله تعالى: ﴿ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ
ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأعراف: 26]، أي ذلك المذكور لكم من اللباس مما تتذكرون به
نعمة الله عليكم فتشكرونه، وتتذكرون بحاجتكم إلى اللباس الظاهر حاجتكم إلى اللباس
الباطن، وتعرفون من فوائد اللباس الظاهر ما هو أعظم منها من فوائد اللباس الباطن،
الذي هو لباس التقوى.
عباد الله، إن اللباس من نعم الله على عباده، التي يجب شكرها والثناء عليه بها، وإن اللباس له أحكام شرعية تجب معرفتها والتقيد بها، فالرجال لهم لباس يختص بهم في نوعه وكيفيته، وللنساء لباس يختص بهن في نوعه وكيفيته، ولا يجوز لأحد الجنسين أن يشارك الآخر في لباسه، فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال، وقال صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ الله الْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ وَالرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ» ([1])، رواه أحمد وأبو داود.
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (4098)، وأحمد رقم (8309)، والحاكم رقم (7415).