، ومنها يؤخذ
زاد الجنة، وخير عيشٍ ناله أهل الجنة إنما كان بما زرعوه في الدنيا.
«قال بعض السلف: ذم الرجل الدنيا عند على بن أبي طالب رضي الله عنه فقال علي» ([1]): الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ومطلب نجاح لمن سالمها، فيها مساجد أنبياء الله، ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته، ومتجر أوليائه، فيها اكتسبوا الرحمة، وربحوا فيها العافية، فمن ذا يذمها، وقد آذنت بنيها ونعت نفسها وأهلها؟ فتمثلت ببلائها، وشوقت بسرورها إلى السرور، تخويفًا وتحذيرًا وترغيبًا، فذمها قوم غداة الندامة، وحمدها آخرون ذَكَّرَتْهُم فتذكروا، ووعظتهم فاتعظوا. فيا أيها الذام للدنيا، المغتر بتغريرها، متى استذمت إليك؟ بل متى غرتك؟ أبمنازل آبائك في الثرى؟ أم بمضاجع أمهاتك في البلا؟ كم رأيت موروثًا؟ كم عللت بكفيك عليلاً؟ كم مَرَّضْتَ مريضًا بيديك تبتغي له الشفاء، وتستوصف له الأطباء، ثم لم تنفعه شفاعتك، ولم تسعفه طلبتك؟ مثلت لك الدنيا غداة مصرعه مصرعك، وبمضجعه مضجعك. «ثم التفت رضي الله عنه إلى المقابر فقال: يا أهل الغربة. ويا أهل التربة» ثم انصرف إلى القبور فقال: يا أهل القبور، يا أهل الضيق والوحدة، يا أهل الغربة والوحشة،» ([2]) أما الدور فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت، وأما الأزواج فقد نكحت، فهذا خبر ما عندنا، فهاتوا خبر ما عندكم. ثم التفت إلينا فقال: أما لو أُذِنَ لهم لأخبروكم: «إن خير الزاد التقوى».
([1]) سقط من طبعة دار المعارف.