قال ابن القيم رحمه
الله: والمقصود: أن الله سبحانه وتعالى خلق الغنى والفقر مطيتين للابتلاء
والامتحان، ولم ينزل المال لمجرد الاستمتاع به، كما في المسند عنه صلى الله عليه
وسلم قال: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْنَا الْمَالَ لِإِقَامِ
الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادٍ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَى
إِلَيْهِ ثَانِيًا، وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَانٍ لاَبْتَغَى لهُ ثَالِثًا، وَلاَ
يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ» ([1])، فأخبر سبحانه أنه
أنزل المال ليستعان به على إقامة حقه بالصلاة، وإقامة حق عباده بالزكاة لا
للاستمتاع والتلذذ كما تأكل الأنعام.
عباد الله، كيف آثرتم الحياة
الدنيا على ما عند الله؟! كيف شغلتكم أموالكم وأولادكم عن ذكر الله؟! مهما عشت
-أيها الإنسان- وجمعت من المال، فإنك راحلٌ، وما في يديك زائلٌ، ولا يبقى لك إلا
عملك، إنك خرجت إلى الدنيا ليس معك شيءٌ، وستخرج منها ليس معك منها إلا العمل، قال
تعالى: ﴿وَلَقَدۡ
جِئۡتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَتَرَكۡتُم مَّا خَوَّلۡنَٰكُمۡ وَرَآءَ ظُهُورِكُمۡۖ﴾ [الأنعام: 94]. إنك مررت بالدنيا
في طريقك إلى الآخرة، وأتيحت لك الفرصة لتأخذ منها زادًا لسفرك، فأنت بمنزل
المسافر الذي هبط إلى السوق ليأخذ منه زادًا يبلغه في مسيره، فليس لك من هذه
الدنيا إلا ما تزودت به للآخرة.
عباد الله، حلال هذه الدنيا حسابٌ، وحرامها عقابٌ، ومصيرها إلى الخراب، ولا يركن إليها إلا من فقد الرشد والصواب، كم من ذهاب بلا غياب، وكم من حبيب قد فارق الأحباب، وترك الأهل والأصحاب، وصار إلى ثواب أو عقاب، إنها رحلات متتابعة إلى الدار
([1]) أخرجه: أحمد رقم (21806)، والطبراني في ((الكبير)) رقم (3301).