×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء الأول

المساء، وإذا أمسى فلا ينتظر الصباح، وأخبر أنها حلوةٌ خضرةٌ، تأخذ العيون بخضرتها، والقلوب بحلاوتها، وأمر باتقائها والحذر منها، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه ليس لأحدٍ من هذه الدنيا سوى بيتٍ يسكنه، وثوب يلبسه، وقوت يقيم صلبه، وأخبر أنه يتبع الميت أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله، وأخبر أنه ليس لابن آدم من ماله إلا ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى، أو تصدق فأمضى، وأخبر أن غنى العبد من غنى نفسه، لا كثرة ماله.

وأخبر أن من كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتِبَ له، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن نجاة أول هذه الأمة بالزهد واليقين، وهلكة آخرها بالبخل وطول الأمل، وكان يقول: «لَبَّيْكَ، لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآْخِرَةِ» ([1])وكان يقول: «الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا يُرِيحُ الْقَلْبَ وَالْبَدَن، وَالرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا تُطِيلُ الْهُمُوم وَالْحَزَنَ» ([2]).

عباد الله، لقد كان الصحابة يحذرون من التنعم في الدنيا، ويخافون أن تُعَجَّلَ لهم بذلك حسناتهم، ففي الصحيحين عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئًا، منهم مصعب بن عمير رضي الله عنه، قُتِلَ يوم أحدٍ، وترك بردة، فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا بها رجليه بدا رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه، ونجعل على رجليه شيئًا من الإذخر. ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهذبها.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (3584)، ومسلم رقم (1804).

([2])  أخرجه: البيهقي في ((الشعب)) رقم (10054)، والقضاعي رقم (278).