وفي صحيح البخاري عن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: أُتِيَ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بطعامٍ
وكان صائمًا، فقال: قُتِلَ مصعب بن عمير، وهو خير مني، وَكُفِّنَ في بردة: إن
غُطِّى رأسه بدت رجلاه، وإن غُطي رجلاه بدا رأسه، وقُتِلَ حمزة رضي الله عنه، وهو
خير مني، فلم يوجد له كفنٌ إلا بردةٌ، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط -وقال:
أُعْطِينَا من الدنيا ما أعطينا- وقد خشيت أن تكون عُجِّلت لنا طيباتنا في حياتنا
الدنيا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.
أيها المسلمون، تأملوا حالكم، وما
بُسط عليكم من الدنيا، كم تأكلون من أصناف الطعام؟! كم يعرض أمامكم من أنواع
الفواكه؟! كم تلبسون من فاخر الثياب؟! كم تركبون من السيارات الفخمة؟! وماذا
تسكنون من القصور المشيدة؟! وماذا ترقدون عليه من الفرش الوثيرة؟! وماذا تجلسون
عليه من المقاعد الناعمة، وتتكئون عليه من الأرائك اللينة؟! ماذا ترصدون من
الأموال الضخمة؟! ثم انظروا: ماذا تقدمون للآخرة؟!
إن ما بُسط على
هؤلاء الصحابة الذين سمعتم كلامهم من الدنيا قليلٌ جدًا بالنسبة إلى ما بُسط عليكم
منها، وما قدموه للآخرة من الأعمال الجليلة ليس عندكم منه إلا أقل القليل، إن كان
عندكم منه شيء، ومع هذا خافوا هذا الخوف أن تكون حسناتهم عُجِّلَتْ لهم، فبكوا حتى
تركوا الطعام، فجمعوا بين إحسان العمل والخوف من الله. ونحن جمعنا بين الإساءة
وعدم الخوف من الله، نتمتع بنعم الله، ونبارز الله بالمعاصي، كأننا لم نسمع قول
الله تعالى: ﴿فَلَمَّا
نَسُواْ مَا