فيهتدي على أيديهم
من شاء الله هدايته من ذوي البصائر النافذة، والعقول الراجحة، الذين يميزون بين
الضار والنافع، وينظرون في عواقب الأمور؛ ويصبرون على مجاهدة الهوى والنفس
والشيطان، ومجاهدة الكفار والمنافقين، فيتقربون إلى الله بالجهاد في سبيله،
والثبات على دينه، عند تلاطم أمواج الفتن، واشتداد أذى الكفار ﴿وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ
لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖۗ﴾ [محمد: 4].
عباد الله، إننا
اليوم في معترك فتن عظيمة، فتن كقطع الليل المظلم، فتن متنوعة، فالمال فتنة، وقد
فاض اليوم بأيدي الناس، والأولاد فتنة، وقد استعصى أمرهم على كثير من أولياء
أمورهم، ومخالطة الأشرار من الكفار والمنافقين فتنة، وقد امتلأت بهم بلاد
المسلمين، والنساء فتنة، وقد عظم خطرهن اليوم، واستفحل أمرهن، والدعاية إلى الباطل
والتنفير من الحق فتنة، وقد تعاظم اليوم خطرها، وتطاير شررها، وتنوعت أساليبها.
لقد أصبح العالم كله
من أقصاه إلى أقصاه كبلد واحد، بسبب تطور وسائل النقل ووسائل الإعلام، فما يقال أو
يفعل في أقصى الأرض من كذب وفجور، وعتو ونفور، يصل إلى أقصاها بواسطة الإذاعة
المسموعة في الراديو، والإذاعة المرئية في التلفزيون، بأسرع وقت، وأقرب طريق،
وأخدع أسلوب. لقد أصبح صوت الباطل في هذه الأجهزة واضحًا وجهوريًا، وصوت الحق فيها
خافتًا وخفيًا، فغالب الإذاعات العالمية لا يسمع فيها صوت الحق أبدًا، وإنما
ديدنها الهدم والتخريب، والتحريش والتشويش، وترويج الباطل وتشويه الحق. والقليل من
هذه الإذاعات إذا جعلت في برامجها سهمًا ضئيلاً من الحق