النوع الثاني: إسراف في
الاستهلاك، كالإسراف في الأكل والشرب، قال تعالى: ﴿وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ
ٱلۡمُسۡرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31]، فقد أباح الله لعباده الأكل والشرب من الحلال،
ونهاهم عن الإسراف في ذلك، وهو مجاوزة الحد في الأكل والشرب؛ لما في ذلك من مضرة
العقل والدين، لأن الشبع والريّ المفرطين يضران بالصحة، ويكسلان عن العمل، ويحملان
على الأشر والبطر والكبر، وقال النبي صلى الله علية وسلم: «مَا مَلَأَ ابْنُ
آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِه، حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ
صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ فَاعِلاً لاَ مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ
لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ» ([1]).
قال بعض الأطباء: لو استعمل الناس
هذا الحديث لسلموا من الأمراض والأسقام، ولتعطلت دكاكين الصيادلة.
وإنما قال هذا؛ لأن
أصل كل داء هو التخمة، وكما أن الشبع يضر البدن، فكذلك هو يقسي القلب ويورث الهوى
والغضب.
ومن الإسراف المزموم: التوسع في تناول المشتهيات، وإعطاء النفس كل ما تطلب من الملذات، وقد ذم الله ورسوله من اتبع الشهوات، وقال تعالى ﴿فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا ٥٩ إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ شَيۡٔٗا ٦﴾ [مريم: 59، 60]، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي, ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلاَ يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ» ([2])،
([1])أخرجه: الترمذي رقم (2380)، وابن ماجه رقم (3349)، وأحمد رقم (17186).