وإن غلبت مساوءه على محاسنه، صار شرًا على صاحبه
عاجلاً وآجلاً، ومن هنا كان المال فتنة، كما قال تعالى: ﴿وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞ
وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ﴾ [الأنفال: 28].
ومن محاسن المال: أنه يغني صاحبه عن
الناس، بما ينفقه على نفسه وعلى من تلزمه النفقة عليه.
ومن محاسنه: أن صاحبه يتمكن من
الإنفاق في وجوه البر، كالجهاد في سبيل الله، فالجهاد بالمال جاء مقدمًا على
الجهاد بالنفس في نصوص كثيرة، وكذا الإنفاق في الحج والعمرة وصلة الأرحام، والصدقة
على الفقراء والمساكين، والإنفاق في مرافق البر، كعمارة المساجد والمدارس الخيرية.
واسمعوا هذا الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ -أي: الأموال الكثيرة- بِالدَّرَجَاتِ الْعُلاَ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ فَقَال: «وَمَا ذَاكَ؟» فَقَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلاَ نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلاَ نُعْتِقُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفَلاَ أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلاَ يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ؟» ! قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ مَرَّةً». فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَْمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا فَفَعَلُوا مِثْلَهُ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «﴿ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ﴾ [المائدة: 54] ([1])فهذا دليل على أن من أعطاه الله الغنى والمال الصالح فقد تفضل عليه.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (807)، ومسلم رقم (595).