وينشئون على مزاولة
الأعمال المفيدة، فكان ابن التاجر يزاول مع أبيه التجارة، وكان ابن الفلاح يزاول
مع أبيه الفلاحة، وكان ابن الحداد أو النجار يزاول مع أبيه تلك المهن المفيدة،
وكان ابن العالم يتلقى عن أبيه العلم، وهكذا تنشأ طبقة على مختلف المهن تختلف طبقة
عما سبقتها، لا ترى فيهم العاطل المضيع لوقته.
ولما أفاء الله على هذه البلاد كثيرًا من المال والرخاء، تغيرت الأوضاع وساءت الأحوال، واختفى في هذا المجتمع كثير من الصفات الحميدة، وأغرق الناس في الترف، وصار مجتمعًا يستهلك ولا ينتج، يأخذ ولا يعطي، خف على الناس أمر الدين، واستهانوا بالقيم، واستوردوا كثيرًا من عادات الكفار وتقاليدهم. فالآباء انشغلوا بجمع المال، وألهاهم التكاثر، فتركوا تربية أولادهم، والنساء كففن أيديهن عن العمل المفيد في البيوت، فصارت المرأة لا ترضع، ولا تربي ولدها، ولا تغسل ثيابها، ولا تعمل حوائج بيتها، حتى آل الأمر إلى استجلاب المربيات والخادمات للقيام بهذه الأعمال دون تفكير بعواقب ذلك ونتائجه على الأطفال والبيوت، وانفصل الشباب عن آبائهم، وعن مزاولة الأعمال، ووفر لهم آباؤهم كل مطالبهم بدون تعبٍ، وتوفرت لهم كل أسباب الضياع: من شباب، وفراغٍ، وجدةٍ، فصار لا هم لهم إلا متابعة النوادي الرياضية، أو البرامج المُلهية في وسائل الإعلام، أو الأفلام الخليعة في الفيديو، أو العبث بالسيارات في الشوارع، ومضايقة المسلمين في طرقاتهم، وتحدي رجال المرور، وحتى غالب المتدينين منهم فهموا الدين فهمًا خاطئًا، فنحوا منحى التطرف والغلو، وتتبع المسائل الشاذة؛ كل هذا من سوء التربية وقرناء السوء، وانشغال الآباء عن أبناءهم وبناتهم.