في التحذير من عقوبات المعاصي
الحمد لله يبتلي
عباده بالمصائب ليتوبوا إليه من الذنوب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وهو علام الغيوب وغفار الذنوب، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، حذر أمته من
أسباب الهلكات، وبين لها طرق النجاة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، كانوا
يخافون من ذنوبهم أشد مما يخافون عدوهم، وسلم تسليمًا كثيرًا.
·
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واحذروا عقابه، فإن عقابه أليم، ولا تغتروا بحلمه، فإنه يمهل ولا يهمل، واعلموا أنكم إنما تصابون بذنوبكم، وتجازون بأعمالكم، قال تعالى: ﴿وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ﴾ [الشورى: 30]. كم هلكت من أمة، وكم سقطت من دولة، وكم سلبت من نعمة، وكم حلت من نقمة، بسبب الذنوب والمعاصي، ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ يَكُ مُغَيِّرٗا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ﴾ [الأنفال: 53]. وإن لكم فيما يقع بينكم وحولكم من النقم لأكبر زاجر وأعظم نذير، وقد نبه الله عباده إلى أن يعتبروا بما حل بغيرهم من العقوبات ليُقَومُوا أعمالهم، ويُصَحِحُوا خطأهم، وإلا فإنه سيحل بهم مثل ما شهدوا وسمعوا من عقوبات غيرهم؛ قال تعالى: ﴿أَلَمۡ يَرَوۡاْ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَا لَمۡ نُمَكِّن لَّكُمۡ وَأَرۡسَلۡنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡهِم مِّدۡرَارٗا وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَنۡهَٰرَ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قَرۡنًا ءَاخَرِينَ﴾ [الأنعام: 6]. نعم لقد حل في هذه الأرض أجيال قبلكم، كان لهم من قوة الأبدان ووفرة
الصفحة 1 / 441