في أحوال الإنسان
(ملخصةٌ من تحفة الودود لابن القيم)ـ
الحمد لله رب
العالمين، خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بتوحيده وطاعته، وفاوت بينهم في العقول
والأخلاق والآجال والأرزاق، ليدلنا بذلك على قدرته وحكمته، وشدة عقوبته وسعة
رحمته، أحمده على نعمه التي لا تحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
له الأسماء الحسنى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله لا نبي بعده إلى أن تقوم الساعة،
وأوجب على جميع العالمين الانقياد له بالطاعة، صلى الله عليه وسلم، وعلى جميع آله
وصحابته وأتباعه.
·
أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى، وتأملوا أحوالكم، وأصلحوا أعمالكم، وتفكروا في مصيركم، واعلموا أنكم في هذه الحياة تنتقلون من حال إلى حال، فتزودوا منها للآخرة بصالح الأعمال، قال الله تعالى: ﴿لَتَرۡكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٖ﴾ [الانشقاق: 19] أي حالاً بعد حال، فأول أطباق الإنسان كونه نطفةً، ثم علقةً، ثم مضغةً، ثم جنينًا ثم مولودًا، ثم رضيعًا، ثم فطيمًا، ثم صحيحًا أو مريضًا، غنيًا أو فقيرًا، يأخذ بالزيادة فيكون صبيًا، ثم بالغًا إلى أن يصل إلى سن الأربعين، فيأخذ بالنقصان وضعف القوى على التدريج، قال الله تعالى: ﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا وَشَيۡبَةٗۚ﴾ [الروم: 54]. فقوته بين ضعفين، وحياته بين موتين، فإذا تغيرت أحواله
الصفحة 1 / 441