في النهي عن الاغترار بالدنيا
ـ(ملخصةٌ من جامع
العلوم والحكم، لابن رجب رحمه الله )ـ
الحمد لله رب
العالمين، خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، وجعل الدنيا مزرعةً للآخرة،
وحذر عباده من الاغترار بالحياة الدنيا ونسيان الآخرة، وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعثه بالهدى دين الحق ليظهره على
الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم
بإحسان، وسلم تسليمًا كثيرًا.
·
أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى، وتذكروا مصيركم، وانظروا ماذا قدمتم له من أعمالكم، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ»، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ» ([1]). فهذا الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا، فإن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطنًا ومسكنًا فيطمئن فيها، ولكن يبغي له أن يكون فيها كأنه على جناح سفر يهيئ جهازه للرحيل، وقد اتفقت على ذلك وصايا الأنبياء وأتباعهم، قال مؤمن آل فرعون: ﴿يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا مَتَٰعٞ وَإِنَّ ٱلۡأٓخِرَةَ
([1]) أخرجه: البخاري رقم (6053).
الصفحة 1 / 441