هِيَ دَارُ ٱلۡقَرَارِ﴾ [غافر: 39]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا!
إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رَاكِبٍ قَالَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ
ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» ([1])، ومن وصايا المسيح
عليه السلام لأصحابه: أنه قال لهم: «اعبُروها ولا تَعمُرُوها»، وروي عنه
أنه قال: «مَنْ ذَا الَّذِي يَبْنِي عَلَى مَوْجِ الْبَحْرِ دَارًا، تِلْكُمُ
الدُّنْيَا، فَلاَ تَتَّخِذُوهَا قَرَارًا»، وكان علي بن أبي طالب رضي الله
عنه يقول: «إِنَّ الدُّنْيَا قَدِ ارْتَحَلَتْ مُدْبِرَةً، وَإِنَّ الآْخِرَةَ
قَدِ ارْتَحَلَتْ مُقْبِلَةً، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنُونَ، فَكُونُوا مِنْ
أَبْنَاءِ الآْخِرَةِ، وَلاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ
الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلاَ حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلاَ عَمَلَ»، وقال عمر بن عبد
العزيز في خطبته: «إِنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِدَارِ قَرَارِكُمْ، دَارٌ كَتَبَ
اللهُ عَلَيْهَا الْفنَاءَ، وَكَتَبَ عَلَى أَهْلِهَا مِنْهَا الظَّعْنَ، فَكَمْ
عَامِرٍ مُوثَقٍ عَمَّا قَلِيلٍ مُخْرَبٌ، وَكَمْ مُقِيمٍ مُغْتَبِطٍ عَمَّا
قَلِيلٍ يَظْعَنُ، فَأَحْسِنُوا رَحِمَكُمُ اللهُ مِنْهَا الرِّحْلَةَ بِأَحْسَنِ
مَا يَحْضُرُكُمْ مِنَ النُّقْلَةِ، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ
التَّقْوَى».
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم يومًا لأصحابه: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الدُّنْيَا، كَقَوْمٍ سَلَكُوا مَفَازَةً غَبْرَاءَ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَدْرُوا مَا سَلَكُوا مِنْهَا أَكْثَرَ، أَوْ مَا بَقِيَ، أَنْفَدُوا الزَّادَ، وَحَسَرُوا الظَّهْرَ، وَبَقُوا بَيْنَ ظَهَرَانِيِّ الْمَفَازَةِ لاَ زَادَ وَلاَ حَمُولَةَ، فَأَيْقَنُوا بِالْهَلْكَةِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ فِي حُلَّةٍ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا قَرِيبُ عَهْدٍ بِرِيفٍ، وَمَا جَاءَكُمْ هَذَا إِلاَّ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ، قَالَ: عَلاَمَ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: عَلَى مَا تَرَى، قَالَ: أَرَأَيْتُكُمْ إِنْ هَدَيْتُكُمْ عَلَى مَاءٍ رِوَاءٍ، وَرِيَاضٍ خُضْرٍ، مَا تَعْمَلُونَ؟ قَالُوا: لاَ نَعْصِيكَ شَيْئًا، قَالَ: أَعْطُونِي عُهُودَكُمْ وَمَوَاثِيقَكُمْ بِاللَّهِ، قَالَ فَأَعْطَوْهُ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ بِاللَّهِ لاَ يَعْصُونَهُ شَيْئًا،