وأن
الملك تمثل لمريم بشرًا سويًّا،
****
مألوفة عند الناس، في صور أشخاص، الله أعطاهم
القدرة على التشكُّل، فجاؤوا إلى إبراهيم لما أنزلهم الله لإهلاك قوم لوط، مروا
على إبراهيم في صورة أضياف، فظن إبراهيم أنهم أضياف، فأعدلهم القرى، جاء يعجل حنيذ
مشوي؛ ليأكلوا؛ يحسبهم أضيافا؛ لأنه كريم صلى الله عليه وسلم، كان يضيف الأضياف،
ويَقْري الأضياف، فبادر صلى الله عليه وسلم لهم بالقِرى، لكن لما رآهم لا يأكلون؛ لأن
الإنسان إذا لم يأكل من طعامك، تخاف أنه يريدك بسوء، أما إذا أكل، فإنك تأمن منه،
فلما رآهم لا يأكلون، أوجس منهم خيفة، فطمأنوه، وأخبروه بمهمتهم: ﴿قَالُوٓاْ إِنَّآ
أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمٖ مُّجۡرِمِينَ ٣٢لِنُرۡسِلَ عَلَيۡهِمۡ حِجَارَةٗ مِّن طِينٖ
٣٣﴾ [الذرايات: 32- 33]، إلى
آخر الآيات، طمأنوه، وأخبروه بمهمَّتهم، الشاهد منها أن الملائكة يأتون في صور
بشر، ولو كانوا أفكارًا أو قوى نفسية، ما أتوا في صور بشر.
وكذلك الملك - وهو جبريل عليه السلام - جاء إلى مريم، وهي قد انعزلت عن قومها، واتخذت من دونهم حجابا، وتفرغت للعبادة، لعبادة ربها، واحتجبت عن الناس، جاءها الملك في صورة إنسان: ﴿فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابٗا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرٗا سَوِيّٗا﴾ [مريم: 17]، ما جاءها بصورة جبريل عليه السلام؛ لأنها ما تطيق رؤيته، بل جاءها في صورة بشر سوي، متكامل الأعضاء، متكامل الخلقة؛ بشرًا سويا؛ من أجل أن تأنس معه، ولا تنفر، ثم إنه قال لها ما قال، وانتهى الأمر بأن نفخ فيها من الروح التي يحملها من الله عز وجل، فحملت بعيسى عليه السلام،