وحقيقة قولهم قول فرعون الذي عطل الصانع، فإنه لم
يكن منكرًا هذا الوجود المشهود؛ لكن زعم أنه موجودٌ بنفسه لا صانع له، وهؤلاء
وافقوه في ذلك، لكن زعموا بأنه هو الله، فكانوا أضل منه، وإن كان قوله هذا هو أظهر
فسادًا؛ ولهذا جعلوا عباد الأصنام ما عبدوا إلاَّ الله ،
****
وحقيقة قولهم أنه ليس هناك رب؛ مثل قول فرعون: ﴿أَنَا۠
رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ﴾
[النازعات: 24]، ﴿مَا عَلِمۡتُ
لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرِي﴾
[القصص: 38]، هذا مذهب الفلاسفة تماما: جحود الخالق سبحانه وتعالى، لكن يقولون:
فرعون صار مشركًا؛ لأنه أقسم، قال: ﴿أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ﴾
[النازعات: 24]، مع أن كل الموجود هو الرب، فهو أنكر عليه موسى عليه السلام هذا
التقسيم بزعمهم، انظر: كيف يجعلون موسى عليه السلام من أهل وحدة الوجود، أنكر عليه
هذا التقسيم، ولو أنه قال: الوجود كله واحد، لصار موحدًا، ولما أنكر عليه، وهذا
قول ابن عربي، وقول أتباعه من فلاسفة الصوفيين: ابن الفارض، والعفيف التلمساني،
وغيرهم، هذا قولهم: وحدة الوجود. و«عطل»
يعني: جحد الله عز وجل، «الصانع»
يعني: عطل الخالق. زعموا أن الكون كله هو الله، بل قال: ﴿أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ﴾،
فميَّز نفسه عنهم، وهم لا يميزون بين خالق ومخلوق، وبين ربٍّ وعَبْد، ما يميزون
بين هذا وهذا.
هذا
نتيجة القول بوحدة الوجود؛ أن كل من عبد شيئا، فإنما عَبَدَ الله؛ لأن الكون كله
هو الله، فالإنسان والحيوان والصنم، والحجر، والشجر هو الله بزعمهم، تعالى الله
عما يقولون.
الصفحة 1 / 347