وقالوا: لما كان فرعون في منصب التحكم صاحب السيف،
وإن جار في العرف الناموسي كذلك قال: أنا ربكم الأعلى، أي: وإن كان الكل أربابًا
بنسبة ما فأنا الأعلى منكم بما أعطيته في الظاهر من الحكم فيكم .
قالوا: ولما علمت
السحرة صدق فرعون فيما قاله أقروا له بذلك وقالوا: ﴿فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةَ
ٱلدُّنۡيَآ﴾ [طه: 72].
****
هو
أخطأ عندهم من هذه الناحية؛ أنه قال: ﴿أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ﴾
[النازعات: 24]، مع أن الكون كله هو الرب، ما يختص بفرعون، لكن لما غلب، وصار عنده
قوة، وأعجب بنفسه، ادعى لنفسه أنه هو الرب.
انظر: تحريف
القرآن! السحرة تابوا إلى الله، وخروا سجدًا لما ظهرت لهم معجزة موسى عليه السلام،
وبرهان موسى عليه السلام وصدقه، تابوا إلى الله، وألقي السحرة ساجدين، قالوا: ﴿ءَامَنَّا
بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٢١رَبِّ مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ١٢٢﴾
[الأعراف: 121- 122]، لما هدَّدهم فرعون بالقتل والصلب، قالوا: ﴿قَالُواْ لَن
نُّؤۡثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَاۖ فَٱقۡضِ
مَآ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَآ ٧٢إِنَّآ
ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغۡفِرَ لَنَا خَطَٰيَٰنَا وَمَآ أَكۡرَهۡتَنَا عَلَيۡهِ
مِنَ ٱلسِّحۡرِۗ وَٱللَّهُ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓ ٧٣﴾
[طه: 72- 73]، أنت تقتلنا في هذه الدنيا، تصلبنا، لكن مآلنا إلى الله سبحانه وتعالى:
﴿وَإِنَّآ
إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾
[الزخرف: 14]، فهذا الكلام منهم أنهم مؤمنون بالله عز وجل وبما قاله موسى وهارون
رضي الله عنهما، لكن الفلاسفة يقولون: لا، هم لما عرفوا أن فرعون صادق،
قالوا: ﴿فَٱقۡضِ
مَآ أَنتَ قَاضٍۖ﴾، عرفوا
أنه صادق، ففوَّضوا إليه الأمر، وقالوا: ﴿فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ﴾،
هذا تحريف لكلام الله عز وجل فكأنهم رضوا عن فرعون، وعرفوا أنه صادق، فقالوا: ﴿فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ
قَاضٍۖ﴾؛ لأنك أنت الرب.
الصفحة 2 / 347