وجرى مثل ذلك لأبي مسلمٍ الخولاني الذي ألقي في
النار، فإنه مشى هو ومن معه من العسكر على دجلة وهي ترمي بالخشب من مدها، ثم التفت
إلى أصحابه فقال: تفقدون من متاعكم شيئًا حتى أدعو الله عز وجل فيه؟ فقال بعضهم:
فقدت مخلاةً، فقال: اتبعني، فتبعه فوجدها قد تعلقت بشيء فأخذها. وطلبه الأسود
العنسي لما ادعى النبوة فقال له: أتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع، قال: أتشهد
أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم، فأمر بنار فألقي فيها، فوجدوه قائمًا يصلي فيها
وقد صارت عليه بردًا وسلامًا. وقدم المدينة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم
فأجلسه عمر بينه وبين أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وقال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى أَرَى مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم
مَنْ فُعِلَ بِهِ كَمَا فُعِلَ بِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الله» .
****
وفي سياق ذكر الكرامات لأولياء الله، فمنها هذه
الواقعة لأبي مسلم الخولاني، وهو ولي من أولياء الله في اليمن، ومن التابعين،
عذَّبه الأسود العنسي الذي يدعي النبوة، فأحضره، وقال له: أتشهد أن محمدًا رسول
الله؟ قال: نعم، قال: أتشهد أني رسول الله، قال: لا أسمع، فأمر به فألقي في النار،
فلم تضره النار. هذه كرامة له أن الله سبحانه وتعالى وقاه من النار، وقد وقع هذا
لإبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم، فهي للخليل معجزة، ولأبي مسلم كرامة، ولما
وفد جاء إلى المدينة في حياة أبي بكر رضي الله عنه، فأجلسوه بين أبي بكر وعمر رضي
الله عنهما؛ إكرامًا له، وقال عمر: «الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى أَرَى مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله
عليه وسلم مَنْ فُعِلَ بِهِ كَمَا فُعِلَ بِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الله»، وكما
سبق أن الكرامة للولي معجزة للنبي، فكرامة أبي مسلم هذه معجزة لرسول الله صلى الله
عليه وسلم.
الصفحة 1 / 347