لَيْلَةَ الْقَدْرِ
إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ([1]) وقوله: «إِيمَانًا
وَاحْتِسَابًا» يعني إيمانًا بالله وبما أعد فيها من الثواب للقائمين فيها،
واحتسابًا للأجر وطلب الثواب.
وهذه الليلة في
العشر الأواخر من رمضان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: «تَحَرَّوْا
لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» ([2]). ولن تظفر بهذه
الليلة إلا إذا قُمت ليالي العشر كُلها. فقد أخفى الله سبحانه علمها على العباد
رحمةً بهم ليكثر عملهم في طلبها في تلك الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والدعاء
فيزدادوا تقربًا إلى الله تعالى وثوابًا، وأخفاها أيضًا اختبارًا للعباد ليتبين
بذلك من كان جادًا في طلبها حريصًا عليها ممن كان كسلان مُتهاونًا؛ فإن من حرص على
شيء جد في طلبه. أرأيتم لو أُعلن عن مُساهمة في شركة يُؤمل فيها الناس حُصول الربح
أليسوا يزدحمون على المُساهمة فيها ويتحملون التعب وبذل الأموال في سبيل ذلك؟ ومن
فاتتهُ الفُرصة منهم ندم ندامةً شديدة. فما بالهم يُعرضون عن المساهمة في الجنة
لدى أرحم الراحمين الذي يربحُ العاملون عنده أضعافًا مُضاعفةً بغير حساب؟ إنه
الحرمانُ والخُذلانُ ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ قال تعالى: ﴿بَلۡ تُؤۡثِرُونَ
ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا ١٦ وَٱلۡأٓخِرَةُ
خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓ ١٧﴾ [الأعلى: 16، 17].
أيها المسلمون: ومن خصائص هذه العشر المباركة مشروعية الاعتكاف فيها، وهو اللُبث والبقاء في المساجد مُدة هذه الأيام المباركة للتفرغ لطاعة الله عز وجل، وهو من السُنن الثابتة بكتاب الله وسُنة
([1]) أخرجه: البخاري رقم (1802)، ومسلم رقم (760).