إِلَى
نِهَايَتِكُمْ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ: أَجَلٍ قَدْ مَضَى لا
يَدْرِي مَا اللَّهُ صَانِعٌ فِيهِ، وَبَيْنَ أَجَلٍ قَدْ بَقِيَ لا يَدْرِي مَا
اللَّهُ قَاضٍ فِيهِ، فَلْيَأْخُذِ الْعَبْدُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَمِنْ
دُنْيَاهُ لآخِرَتِهِ، وَمِنَ الشَّبِيبَةِ قَبْلَ الْهَرَمِ، وَمِنَ الْحَيَاةِ
قَبْلَ الْمَوْتِ» ([1]). وقال أبو بكر
الصديق رضي الله عنه في خُطبته: «إنكم تغدون وتروحون إلى أجل قد غُيب عنكم علمهُ،
فإن استطعتم ألا يمضي هذا الأجل إلا وأنتم في عملٍ صالحٍ فافعلوا». وقال عُمر بن
الخطاب رضي الله عنه في خطبته: «أيها الناس حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوها
قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله» ﴿يَوۡمَئِذٖ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِيَةٞ﴾ [الحاقة: 18].
عباد الله، لنتذكر
بانقضاء العام انقضاء العُمر، وبسرعة مُرور الأيام قُرب الموت، وبتغيُر الأحوال
زوال الدُنيا وحلول الآخرة. فكم ولد في هذا العام من مولود، وكم مات فيه من حي،
وكم استغنى فيه من فقير، وافتقر من غني، وكم عز فيه من ذليل، وذل فيه من عزيز ﴿قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ
ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ
وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ
عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ٢ تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي
ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ
ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ
بِغَيۡرِ حِسَابٖ ٢٧﴾ [آل عمران: 26، 27].
أيها المسلم، راجع نفسك على أي شيء تطوي صحائف هذا العام، فلعله لم يبق من عُمرك إلا ساعات أو أيام، فاستدرك عُمرًا قد أضعت أوله، فإن عُمر المؤمن لا قيمة له. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ،
([1]) أخرجه: البيهقي في ((الشعب)) رقم (10581).