مِنَ ٱلۡمَسۡجُونِينَ﴾ [الشعراء: 29]، وهكذا لم يملك حُجةً يرد بها الحق إلا التهديد.
فما زال موسى يأتي بالآيات، كُل آية أكبر من أختها، فيحاول فرعون إخفاءها وردها، ويفتخر بقوته وسلطانه فيقول: ﴿يَٰقَوۡمِ أَلَيۡسَ لِي مُلۡكُ مِصۡرَ وَهَٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَٰرُ تَجۡرِي مِن تَحۡتِيٓۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ﴾ [الزخرف: 51] ويحقر موسى فيقول: ﴿أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ٥٢ فَلَوۡلَآ أُلۡقِيَ عَلَيۡهِ أَسۡوِرَةٞ مِّن ذَهَبٍ أَوۡ جَآءَ مَعَهُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ مُقۡتَرِنِينَ ٥٣ فَٱسۡتَخَفَّ قَوۡمَهُۥ فَأَطَاعُوهُۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ ٥﴾ [الزخرف: 52- 54] ولما تمادوا في كفرهم وطغيانهم، أوحى الله تعالى إلى موسى أن يخرج بالمسلمين من أرض مصر ليلاً، فخرج بهم، فساروا مستمرين قاصدين بلاد الشام، فلما علم فرعون بذهابهم غضب عليهم غضبًا شديدًا، وجمع جيشه وجنوده ليحلقهم ويمحقهم ﴿فَأَرۡسَلَ فِرۡعَوۡنُ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ ٥ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ لَشِرۡذِمَةٞ قَلِيلُونَ ٥٤ وَإِنَّهُمۡ لَنَا لَغَآئِظُونَ ٥٥ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَٰذِرُونَ ٥٦ فَأَخۡرَجۡنَٰهُم مِّن جَنَّٰتٖ وَعُيُونٖ ٥٧ وَكُنُوزٖ وَمَقَامٖ كَرِيمٖ ٥٨﴾ [الشعراء: 53- 58] ليجعلها لموسى وقومه من بعدهم، فركب في جنوده طالبًا موسى وقومهُ، فأدركهم عند شروق الشمس قريبًا من البحر، وتراءى الجمعان، ولم يبق إلا المقاتلة، فعند ذلك ﴿قَالَ أَصۡحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدۡرَكُونَ﴾ [الشعراء: 61] وذلك لأنهم انتهوا في طريقهم إلى البحر، فليس لهم طريق ولا محيدٌ إلا سلوكهُ وخوضهُ، وهذا ما لا يستطيعه أحدٌ، والجبال عن يسرتهم وعن أيمانهم، وهي شاهقة منيفةٌ، وفرعون قد سد عليهم طريق الرجعة في جيوشه وجنوده، وقد عرفوا منه البطش والفتك، فشكوا إلى نبي الله موسى ما هم فيه وقالوا: ﴿إِنَّا لَمُدۡرَكُونَ﴾ [الشعراء: 61].