فأخبر أنه سيكون في
أمته مضاهاةٌ لليهود والنصارى، وهم أهل الكتاب، ومضاهاة لفارس والروم، وقد كان صلى
الله عليه وسلم ينهى عن التشبه بهؤلاء وهؤلاء، وليس إخباره عن وقوع المضاهاة في
الأمة إخبارًا عن جميع الأمة، بل قد تواتر عنه أنه قال: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ
مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرَةً عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» ([1])، وأخبر صلى الله
عليه وسلم أن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالةٍ، وأن الله لا يزال يغرس في هذا
الدين غرسًا يستعملهم فيه بطاعته.
فعلم بخبره الصادق
أنه لا بد أن يكن في أمته قومٌ يتمسكون بهديه الذي هو دين الإسلام محضًا، وقومٌ
ينحرفون إلى شعبةٍ من شعب دين اليهود، أو إلى شعبةٍ من شعب دين النصارى، وهذا
الانحراف يزينه الشيطان، فلذلك أمر العبد بدوام دعاء الله سبحانه بالهداية إلى
الاستقامة التي لا يهودية فيها ولا نصرانية أصلاً.
والحكمة -يا عباد
الله- في النهي عن التشبه بهم، والأمر بمخالفتهم ظاهرًا: ذلك أن المشابهة لهم في
الظاهر تورث تشبهًا بهم في الباطن، يقود إلى موافقتهم في الأخلاق والأعمال،
والمخالفة في الظاهر توجب مخالفتهم في الباطن، مما يوجب مفارقتهم مفارقةً توجب
الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال، والانعطاف إلى أهل الهدى والرضوان.
أيها المسلمون: لقد كثر اليوم في المسلمين التشبه بالكفار في كلامهم ولباسهم وهيئتهم، بين الرجال والنساء، مما لست أحصيه في مقامي هذا.
([1]) أخرجه: مسلم رقم (1923).