الركن الثالث -من
أركان شكر النعمة-: الاستعانة بها على مرضاة الله، فيستعملها في طاعة الله، وأما
إذا استعمل نعمة الله في معصيته فقد كفر نعمة الله عليه، فالذي يستعمل قوى جسمه
وصحته وينفق أمواله في معصية الله، قد كفر نعمة الله عليه واستحق عقوبته.
عباد الله: إن رُسُل الله
-عليهم الصلاة والسلام- هم القدوة الكاملة للخلق، وهم أكمل الناس شكرًا لله عز وجل،
فقد أثنى الله على نوح أول رسله بأن كان عبدًا شكورًا.
وذكر سبحانه عن
نبييه داود وسليمان أنه آتاهما علمًا، فقالا عند ذلك اعترافًا بنعمة الله عليهما: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي
فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّنۡ عِبَادِهِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [النمل: 15]، فشكرا ربهما على
ما أعطاهم من العلم.
ثم أخبر عن سليمان عليه السلام أنه أثنى على ربه، واعترف بفضله، حينما أورثه النبوة عن أبيه، وعلمه منطق الطير، وآتاه من كل شيءٍ مما يحتاجه الملوك، قال سبحانه ﴿وَوَرِثَ سُلَيۡمَٰنُ دَاوُۥدَۖ وَقَالَ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمۡنَا مَنطِقَ ٱلطَّيۡرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيۡءٍۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡمُبِينُ﴾ [النمل: 16]، ولما حشر له جنوده من الجن والإنس والطير، وسمع كلام النملة حينما مر بها مع تلك الجنود الهائلة، قال معترفًا بفضل الله عليه: ﴿رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَدۡخِلۡنِي بِرَحۡمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّٰلِحِينَ﴾ [النمل: 19]، ولما تم له مطلبه من إحضار عرش بلقيس لديه، واستقراره عنده في أسرع وقت، اعترف أن هذا ليس بحوله ولا بقوته، وإنما هو تفضل من الله عليه ﴿قَالَ هَٰذَا مِن فَضۡلِ رَبِّي لِيَبۡلُوَنِيٓ ءَأَشۡكُرُ أَمۡ أَكۡفُرُۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيّٞ كَرِيمٞ﴾ [النمل: 40].