ومن ذلك: ما قصه عن قبيلة
سبأ التي أنعم عليها بالجنتين، وقال لهم: ﴿كُلُواْ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥۚ بَلۡدَةٞ طَيِّبَةٞ
وَرَبٌّ غَفُورٞ﴾ [سبأ: 15]، فأعرضوا عن الشكر، وكذبوا الأنبياء، فأرسل الله
عليهم سيل العرم، وهو الوادي الممتلئ بالماء الغزير، الذي أغرق ديارهم، وأهلك
حرقهم وأشجارهم، فبُدّلوا بالغنى فقرًا، وبالنعمة نقمة، وبالاجتماع تفرقًا وتشتتًا
في البلاد، قال تعالى: ﴿فَجَعَلۡنَٰهُمۡ
أَحَادِيثَ وَمَزَّقۡنَٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ﴾ [سبأ: 19]، حتى صار يضرب
المثل بتفرقهم وتشتتهم، فيقال للقوم إذا تفرقوا: «تفرقوا أيدي سبأ» أي كما
تفرقت سبأ.
ومما ضربه الله لنا: مثل القرية، قال
تعالى: ﴿وَضَرَبَ
ٱللَّهُ مَثَلٗا قَرۡيَةٗ كَانَتۡ ءَامِنَةٗ مُّطۡمَئِنَّةٗ يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدٗا مِّن كُلِّ مَكَانٖ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ
وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ﴾ [النحل: 112]، أي جعل هذه القرية
مثلاً لمن أنعم الله عليه فكفر بالنعمة، فأنزل الله عليه النقمة، حيث وفر الله
لأهل هذه القرية الأمان والاطمئنان، والرزق الرغد الذي يجلب إليها من جميع
النواحي، فلما لم يشكروا هذه النعم تحولت إلى أضدادها، فبدلوا بالرزق جوعًا،
وبالأمن والاطمئنان خوفًا وقلقًا.
فاتقوا الله عباد الله: واشكروا نعم الله التي أسبغها عليكم، وأدوا ما أوجب الله عليكم، وتجنبوا ما حرم الله عليكم، حافظوا على الصلوات، واحضروا الجمع والجماعات، وأدوا زكاة أموالكم، تجنبوا المعاملات المحرمة، والمكاسب الخبيثة، طهروا بيوتكم من آلات اللهو ومن الصور ومن سائر المحرمات، خذوا على أيدي سفهائكم،