ورحل الإمام أحمد من
العراق إلى اليمن، وإلى الحجاز، وغيرها من الأقطار، لتلقي العلم عن العلماء. ورحل
غيره من الأئمة، كالشافعي والبخاري، إلى أقطار بعيدة، ليتعلموا من علماء وقتهم.
ولو كان العلم يتلقى
من الكتب، لجلس هؤلاء في بلدانهم، وقرءوا الكتب، وتركوا عناء السفر، إنه بإمكان أي
إنسان أن يشتري كمية من الكتب ويقرأها، لكن ذلك لا يفيد شيئًا، إنه يضر أكثر مما
يفيد.
ولنضرب لذلك مثلاً:
هل أنت إذا أحسست بمرض، تذهب إلى الصيدلية وتأخذ أي دواء منها؟ أو لا بد من الذهاب
إلى الطبيب، ليعرف نوعية المرض، ويحدد الدواء المناسب؟ كل ذلك خشية أن تأخذ دواء
ضارًا غير مناسب، يقضي عليك أو يضرك. كذلك العلم لا بد أن تذهب إلى المختصين فيه،
وتتلقاه عنهم، ولا تقتصر على الكتب، خشية أن تقع في الضلالة، وتتأثر بما في بعضها
من الشبهات والدس على الإسلام.
ومن الناس من ظهر أخيرًا يقول: لا ترجعوا إلى العلماء، ولا إلى الكتب، بل ارجعوا إلى القرآن والسنة، وخذوا منهما العلم رأسًا، إنهم يقولون هذا وهم لا يحسنون قراءة القرآن، فضلاً عن معرفة معانيه، وهذا الصنف أخطر من الذي قبله، لأنه لا يعرف قواعد الاستدلال؛ لأن نصوص الكتاب والسنة فيها الناسخ والمنسوخ، وفيها المطلق والمقيد، وفيها الخاص والعام، ثم الأحاديث المروية فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، وكل هذه أمور لا يعرفها إلا الراسخون في العلم، وهم خواص العلماء، لا كل العلماء، فكيف بهؤلاء العوام المساكين؟.