×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء الأول

 فإننا لا نزال نسمع ما يجري حولنا فيما يجاورنا من البلاد من العقوبات المتتابعة، زلازل تجتاح المدن العامرة فتهدم المباني، وتهلك آلاف النفوس، وتشرد ألوفًا آخرين، فيبقون بلا مأوى ولا أقوات، ولا يزال يحل بالعالم أعاصير مدمرة، وفيضانات غامرة، تتلف الأموال الوفيرة، وتقضي على المحاصيل الزراعية الكثيرة، وحروب طاحنة تلتهم الأخضر واليابس، ويعيش الناس فيها تحت أمطار القذائف وأزيز المدافع، تحصد النفوس حصدًا، وتقض المضاجع، وترمل النساء، وتيتم الأطفال، ويسلط الله الظلمة بعضهم على بعض، فلا يقر لهم قرار. بينما أحدهم زعيم أو رئيس يأمر وينهي، إذا به في أسرع وقت قد صار أذل ذليل في قبضة أعدائه، فإما أن يقتلوه شر قتلةٍ، أو يبقوه يعيش تحت وطأة العذاب والهوان. أحزاب متناحرة وفتنة مشتعلة وقودها جثث وهام. هذا والدول الكافرة الكبرى توقد هذه الفتن، وتحرش بين القادة، وتضرب بعضهم ببعض، وكل هذا -يا عباد الله- بسبب الابتعاد عن الإسلام، والتنكر لدين الله بعد معرفته، والإعراض عن شريعة الله، واستبدالها بأنظمة الكفر من شيوعية ورأسمالية وغيرها.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم، وظلمة في قلوبهم، وكدر في أفهامهم، ومحق في عقولهم، وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم، حتى ربي عليها الصغير، وهرم عليها الكبير، فلم يروها منكرًا، فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن، والهوى مقام الرشد، والضلال مقام الهدى، والمنكر مقام المعروف، والجهل مقام العلم، والرياء مقام


الشرح