الإخلاص، والباطل
مقام الحق، والكذب مقام الصدق، والمداهنة مقام النصيحة، والظلم مقام العدل، فصارت
الغلبة لهذه الأمور. فإذا رأيت هذه الأمور قد أقبلت، وراياتها قد نصبت، فبطن الأرض
-والله- خيرٌ من ظهرها، وقلل الجبال خير من السهول، ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة
الناس! اقشرت الأرض، وأظلمت السماء، وظهر الفساد في البر والبحر، من ظلم الفجرة،
وذهبت البركات، وقلت الخيرات، وهزلت الوحوش، وتكدرت الحياة، من فسق الظلمة، وبكى
ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة، والأفعال الفظيعة، وشكا الكرام
الكاتبون والمعقِّبات إلى ربهم، من كثرة الفواحش، وغلبة المنكرات والقبائح. وهذا
-والله- منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه، ومؤذن بليل بلاء قد ادلهم ظلامه، فاعزلوا
عن هذا السبيل بتوبةٍ نصوحٍ، ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوحٌ، وكأنهم بالباب
وقد أغلق، وبالرهن وقد غلق، وبالجناح وقد علق ﴿وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ﴾ [الشعراء: 227].
عباد الله: إن الأمر قد زاد في وقتنا عما وصف الإمام ابن القيم، فأصبح الإسلام غريبًا في بلاده، فقد اكتفى الأكثر من المتسمين به بمجرد التسمي به، والانتساب إليه من غير عمل بأحكامه، فعقائدهم قد داخلها الشرك، ومحاكمهم تحكم بالقوانين «الوضيعة» ([1]) بدل الشريعة «السماوية» ([2])، وأموالهم تجمع بالتعامل المحرم، من ربًا وغيره.
([1]) زيادة من طبعة دار المعارف.