كما نهى سبحانه عن
الغيبة، وهي ذكرك أخاك بما يكره في حال غيبته؛ لأن في ذلك انتهاكًا لحرمته،
وتدنيسًا لعرضه، وخيانةً له في غيبته.
ثم ذكر سبحانه مثلاً
مُنفرًا عن الغيبة، وذلك بأن شبه الذي يغتاب أخاه المسلم بالذي يأكل لحمه وهو
ميتٌ، وذلك مكروهٌ للنفوس غاية الكراهة، مُنفرٌ للطباع، فالذي يغتاب أخاه كالذي
يأكل لحمهُ وهو ميتٌ، قال تعالى: ﴿وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ
لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتٗا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ﴾ [الحجرات: 12]، فكيف يكره أكل
لحمه ميتًا ويأكل لحمه حيًا؟!
عباد الله: هذا
نموذجٌ مما رسمهُ الله لمسار الأخوة بين المسلمين، وما ينبغي أن يكون عليه مجتمعهم،
وكم في كتاب الله وفي سُنة رسولهِ حول هذا الموضوع، من الأوامر والنواهي، التي لو
رعاها المسلمون وعملوا بمقتضاها في عصرنا هذا، لسادوا العالم كله وقادوه، كما ساده
وقاده صدر هذه الأمة، كما قال تعالى ﴿كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ
بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ﴾ [آل عمران: 110].
عباد الله: إنه لا يكمل إيمان
المرء حتى يُحب لأخيه ما يُحبُ لنفسه، وأقل درجات الأخوة أن يُعامل أخاه بما يُحب
أن يعاملهُ به، ولا شك أنك تنتظر من أخيك أن يستر عورتك وأن يسكُت عن مساويك؛ فكيف
تنتظر منه ما لا تفعله معه؟ إنك لا ترضى أن يصدر من أخيك أدنى إساءة في حقك، فكيف
ترضى أن تُسيء إليه؟ إنك تنتظر من أخيك أن يصدق معك في المعاملة ولا يخدعك ولا
يغشك، فكيف تعامله بضد ذلك؟ إنك إذا طلبت من إخوانك أن ينصفوك من أنفسهم،