×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء الأول

وقد أقسم الله سبحانه بأنه لا يؤمن من لا يحكم هذا الرسول في كل ما تنازع فيه هو وغيره، ثم يرضى بحكمه، ولا يجد في نفسه حرجًا مما حكم به، ثم يسلِّم له تسليمًا، وينقاد له انقيادًا، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ [الأحزاب: 36]، فقطع سبحانه وتعالى التخيير «بعد» ([1]) بين أمره وأمر رسوله «وبين أمر غيرهما،» ([2]) فليس لمؤمن أن يختار شيئًا غير أمره صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه إذا أمر فأمره حتمٌ.

ولقد رأى صلى الله عليه وسلم رجُلاً يأكل بشماله فقال له صلى الله عليه وسلم: «كُلْ بِيَمِينِكَ» قَالَ: لاَ أَسْتَطِيعُ. قَالَ: «لاَ اسْتَطَعْتَ. مَا مَنَعَهُ إِلاَّ الْكِبْرُ» قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ ([3]).

فهذا رجل أبى أن يمتثل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم تكبرًا عنه، فدعا عليه، فتعطلت يده ويبست، فلم ينتفع بها.

وإننا -يا عباد الله- تبلغنا أوامرُ ونواهٍ كثيرةٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، فنتركُ العمل بها أو نتساهل بها، متابعة لأهوائنا أو مجاراة للناس، فنعرض أنفسنا لعقوبة الله، مع ما يفوتنا مما في متابعته صلى الله عليه وسلم من الخير عاجلاً وآجلاً، إن شهادة أنه رسول الله تقتضي منا طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا نعبدُ الله إلا بما شرعهُ لنا، فمن أخل بشيءٍ من هذه الأمور، فقد أخل بهذه الشهادة بمقدار ما أخل به من هذه الأمور.


الشرح

([1])  استبدال من طبعة دار المعارف.

([2])  سقط من طبعة دار المعارف.

([3])  أخرجه: مسلم رقم (91).