وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع
العقوبات ودمرها تدميرًا؟ وما الذي بعث على بني إسرائيل قومًا أولي بأسٍ شديدٍ
فجاسوا خلال الديار، وقتلوا الرجال، وسبوا الذراري والنساء، وأحرقوا الديار ونهبوا
الأموال؟ ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فأهلكوا ما قدروا عليه وتبروا ما علوا تتبيرًا؟
وما الذي سلط عليهم أنواع العذاب والعقوبات، مرة بالقتل والسبي وخراب الديار، ومرة
بجور الملوك، ومرة بمسخهم قردة وخنازير، وأقسم الرب ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة
من يسومهم سوء العذاب؟ إنها الذنوب والمعاصي، فالذنوب -يا عباد الله- سبب كل شر
وفتنة.
عباد الله، هذه
عقوبات المعاصي العاجلة: غرق وحريق وريح عقيم ما تذر من شيءٍ أتت عليه إلا جعلته
كالرميم، وصيحة واحدة تجعل العصاة كالهشيم، وخسف مروّعٌ يجعل عالي الأرض سافلها،
ومطر بالحجارة من السماء، وسحاب يمطر نارًا تلظى، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى، أفلا
يعتبر اللاحقون بالماضين؟ ﴿أَلَمۡ نُهۡلِكِ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٦ ثُمَّ نُتۡبِعُهُمُ ٱلۡأٓخِرِينَ ١٧ كَذَٰلِكَ نَفۡعَلُ بِٱلۡمُجۡرِمِينَ ١٨ وَيۡلٞ يَوۡمَئِذٖ
لِّلۡمُكَذِّبِينَ ١﴾ [المرسلات: 16- 19]. «ألم تسمعوا أخبارهم. ألم
تسكنوا ديارهم. ألا تخافون أن يصيبكم مثل ما أصابهم؟ ﴿وَسَكَنتُمۡ فِي مَسَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ
وَتَبَيَّنَ لَكُمۡ كَيۡفَ فَعَلۡنَا بِهِمۡ ْ﴾ [ابراهيم:45] » ([1]).
عباد الله، إن من آثار الذنوب والمعاصي: أنها تحدث في الأرض أنواعًا من الفساد في المياه، في الهواء، في الثمار، في المساكن، في الأبدان، قال تعالى: ﴿ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ
([1]) زيادة من طبعة دار المعارف.