الربيع فتأكل منه، فينتفخ بطنها فتهلك، وكذلك
الشره في المال يقتله شرهه وحرصه.
ثم مثل صلى الله
عليه وسلم الذي يأخذ من الدنيا قدر حاجته، بالشاه التي تأكل من خضر الربيع بقدر
حاجتها، ولما امتلأت بطنها تركت الرعي واستقبلت عين الشمس، فثلطت (يعني: ألقت
الروث) وبالت، فهي تركت ما يضرها من الرعي الكثير، واستقبلت الشمس، ليحصل لها
بحرارتها إنضاج ما أكلته وإخراجه، واستفرغت ما في بطنها بالروث والبول، فاستراحت
منه، ولو بقي فيها لقتلها.
كذلك جامع المال
مصلحته أن يفعل به كما فعلت هذه الشاة؛ يأخذ من الدنيا قدر ما يحتاج إليه، ثم يقبل
على الاستمتاع به، ويتخلص من أذاه، بإنفاقه في وجوه الخير.
عباد الله، إن الدنيا لا تذم لذاتها، وإنما يذم فعل العبد فيها، فالدنيا قنطرة أو معبر إلى الجنة أو إلى النار؛ فهي مزرعة الآخرة، ومنها زاد الجنة، وخير عيش ناله أهل الجنة في الجنة إنما كان بسبب ما زرعوه في الدنيا، قال تعالى ﴿كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيَٓٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ﴾ [الحاقة: 24]، قال أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه: الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار العافية لمن فهم عنها، فيها مساجد أنبياء الله، ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته، ومتجر أوليائه، فيها اكتسبوا الرحمة وربحوا العافية. ذمها قوم غداة الندامة، وحمدها آخرون؛ ذكرتهم فذكروا، ووعظتهم فاتعظوا. فيا أيها الذام للدنيا المغتر بتغريرها متى استذمت إليك؟ بل متى غرتك؟ أبمنازل آبائك في الثرى؟ أم بمضاجع أمهاتك في البلا؟ كم رأيت موروثًا؟ كم عللت بكفيك عليلاً؟