×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء الأول

وقال الآخر: أنا أصوم النهار ولا أفطر. وقال الآخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَقومُ وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»  ([1]) وهكذا سُنَّةُ الرسول صلى الله عليه وسلم وسط بين الإفراط والتفريط، لا غلو ولا تساهل، بل مداومة على فعل الخير من غير تحامل على النفس بما يشق عليها..

أيها المسلمون: من الناس من يريد أن يستغل سماحة الإسلام استغلالاً سيئًا؛ فيبيح لنفسه فعل المحرمات وترك الواجبات، ويقول: الدين يسر. نعم..

الدين يسر، لكنها كلمة حق أريد بها باطل؛ فليس معنى يسرية الدين وسماحته التفلت من واجباته وارتكاب محرماته. وإنما معنى ذلك الانتقال بالعبد من العبادة الشاقة إلى العبادة السهلة؛ كالانتقال بالمسافر من الصلاة التامة إلى الصلاة المقصورة، والانتقال به من الصيام في أيام السفر إلى الصيام في أيام أُخَر، والانتقال من الطهارة بالماء إلى الطهارة بالتراب، وهكذا إسقاط الواجب عمن عجز عنه مع نية فعله إذا قدر عليه. لا أن يترك الواجب رغبة عنه وكراهية له، فمن ترك الواجب لعجزه عنه مع عزمه على فعله إذا استطاع كُتِبَ له من الأجر مثل أجر من فعله؛ ففي حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا، مَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا وَلاَ سِرْتُمْ سيرًا إِلاَّ وَهُمْ مَعَكُمْ». قَالُوا: وَهُمْ


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (4776)، ومسلم رقم (1401).