وأقول: هذا ما قاله
الإمام ابن القيم في طابع الخطب في عصره، وقد زاد الأمر على ما وصف، حتى صار
الغالب على الخطب اليوم أن تكون حشوًا من الكلام قليل الفائدة، فبعض الخطباء أو
كثير منهم يجعل الخطبة كأنها موضوع إنشاءٍ مدرسي، يرتجل فيه ما حضره من الكلام
بمناسبةٍ وبدون مناسبةٍ، ويطيل الخطبة إطالة مملةً، حتى إن بعضهم يهمل شروط صحة
الخطبة أو بعضها ولا يتقيد بمواصفاتها الشرعية، فهبطوا بالخطب إلى هذا المستوى
الذي لم تعد معه مؤدية للغرض المطلوب من التأثير والتأثر والإفادة، وبعض الخطباء
يقحم في الخطبة مواضيع لا تتناسب مع موضوعها، وليس من الحكمة ذكرها في هذا المقام،
وقد لا يفهمها غالب الحضور لأنها أرفع من مستواهم.
فيا أيها الخطباء.. عودوا بالخطبة
إلى الهدي النبوي: ﴿لَّقَدۡ
كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ﴾[الأحزاب: 21]، ركِّزُوا مواضيعها
على نصوصٍ من القرآن والسُّنَّةِ تتناسب مع المقام، وضَمِّنُوها الوصيَّة بتقوى
الله والموعظة الحسنة. وعالجوا بها أمراض مجتمعاتكم بأسلوبٍ واضحٍ مختصرٍ، أكثروا
فيها من قراءة القرآن العظيم الذي به حياة القلوب ونور البصائر.
إذ ليس المقصود وجود
خطبتين فقط، بل المقصود أثرهما في المجتمع، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله: لا يكفي في الخطبة ذمُّ الدُّنْيا وذكر الموت، لأنه لا بُدَّ من اسم الخطبة
عُرفًا بما يُحرِّك القلوب ويبعث بها إلى الخير، وذَمُّ الدُّنيا والتحذير منها
ممَّا تواصى به منكرو الشرائع، بل لا بد منَ الحَثِّ على الطاعة والزجر عن المعصية
والدعوة إلى الله والتذكير بآلائه. ولا تحصل الخطبة باختصارٍ يفوت به