في الحث على التفكر في مخلوقات الله
الحمد لله رب
العالمين، الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، وأمر بالتفكر في
مخلوقاته ليُسْتدلَ بها على قدرة خالقها وعظيم صفاته، وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له. وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد، وأشهد أن محمدًا عبده
ورسوله، أنزل عليه الذكر ليبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون، فبلغ البلاغ
المبين، وبين ما نزل إليه من ربه غاية التبيين، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته
والتابعين، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
·
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله، وتفكروا في مخلوقاته، وتدبروا آياته، فقد أثنى الله على المتفكرين: ﴿ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ [آل عمران: 191]، وذم سبحانه المعرضين الذين لا يتفكرون، فقال سبحانه: ﴿وَكَأَيِّن مِّنۡ ءَايَةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ يَمُرُّونَ عَلَيۡهَا وَهُمۡ عَنۡهَا مُعۡرِضُونَ﴾ [يوسف: 105]، وقال تعالى: ﴿وَجَعَلۡنَا ٱلسَّمَآءَ سَقۡفٗا مَّحۡفُوظٗاۖ وَهُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِهَا مُعۡرِضُونَ﴾ [الأنبياء: 32]؛ ولهذا كان السلف الصالح يتفكرون في مخلوقات الله ويتدبرون آياته ويحثون على ذلك؛ قال أبو الدرداء رضي الله عنه: تفكُّر ساعة خير من قيام ليلة. وقال وهب بن منبه رحمه الله: ما طالت فكرة امرئ قط إلا فهم، وما فهم إلا علم، وما علم إلا عمل. وقال بشر الحافي: لو تفكر الناس في عظمة الله لما عصوه؛ وذلك لأن التفكر في عجائب الخلق وأسراره يثمر تعظيم
الصفحة 1 / 441