الخالق ومخافته، ﴿رَبَّنَا
مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ﴾ [آل عمران: 191].
إذا نظر الناس اليوم
إلى تلك المخترعات العصرية بهرتهم بدقة صنعتها ووفرة منجزاتها فأعجبوا بمخترعيها
وصانعيها، وهي جزئيات صغيرة من أسرار الكون الذي خلقه الله وسخره، وأطلع عباده على
بعض أسراره، وألهمهم معرفة استخدامه ﴿وَٱللَّهُ
خَلَقَكُمۡ وَمَا تَعۡمَلُونَ﴾ [الصافات: 96]. فهذه المخترعات ومخترعوها خلق لله تعالى.
وقد وجه الله عباده
في آيات كثيرة من كتابه إلى التفكير في هذه المخلوقات، كما في قوله تعالى: ﴿قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي
ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ﴾ [يونس: 101] ﴿إِنَّ فِي
ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الجاثية: 3]؛ لأن الإنسان إذا
نظر إلى هذه المخلوقات بعين الفكرة والبصيرة دله فكره على الخالق، وعلى أنه الإله
الحق المبين، الذي أقرت الفطر بربوبيته وإلهيته وحكمته ورحمته، وإمكان ما أخبر به
من إحياء الموتى كما أحيا هذه الأرض بعد موتها.
وقد أمر الله تعالى الإنسان أن يتفكر في خلقه هو؛ قال تعالى: ﴿فَلۡيَنظُرِ ٱلۡإِنسَٰنُ مِمَّ خُلِقَ﴾ [الطارق: 5]، وقال تعالى: ﴿وَفِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ﴾ [الذاريات: 21]. فدعا الإنسان إلى التفكر في مبدأ خلقه ووسطه وآخره؛ لأن في ذلك أعظم الدلالة على خالقه. ففي خلق الإنسان من العجائب ما تنقضي الأعمار دون الإحاطة به، فانظر إلى النطفة وهي قطرة من ماء مهين مستقذر كيف استخرجها رب الأرباب من بين الصلب والترائب؟! وساقها إلى مستقرها، فلو اجتمع الإنس والجن على أن يخلقوا لها سمعًا أو بصرًا أو عقلاً أو روحًا أو عظمًا لعجزوا عن ذلك؛ لأن ذلك ﴿صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ﴾ [النمل: 88].