موسم كل وقته عظيم مبارك، فنهاره صيام، وليله
قيام، أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، موسم يتغلب فيه المسلم على
نزعات النفس ونزعات الشيطان، فإن كان الإنسان أسيرًا للنفس والشيطان قبل حلول هذا
الشهر بحيث كان يصعب عليه ترك ما اعتاده من المعاصي بحكم ضعف النفس وقلة الإيمان،
وبحكم مخالطة الأشرار، فإن شهر رمضان المبارك يخلصه من هذا الأسر، وينقله من
المجتمع الفاسد إلى المجتمع الصالح، فلا يرى من حوله إلا من هو صائم قائم، فرمضان
في الحقيقة مدرسة يتلقى فيها المسلم دروس الخير المتنوعة، ويتعود فيها الابتعاد عن
الشر وأسبابه، فما ينتهي رمضان إلا والمؤمن قد ألف الخير ونفر عن الشر، مما يكون
سببًا لاستمراره على الاستقامة في بقية السنة.
فمثلاً الذي كان
يتكاسل عن الصلاة مع الجماعة ولما حل عليه شهر رمضان التزم الصلاة مع الجماعة
وأدرك خطأه فيما مضى، وصحح خطته في المستقبل، المدخن الذي فتك به تناول الدخان
وأضر بصحته، وهو يستعصب تركه، لما حل عليه شهر رمضان المبارك خلصه من أسر هذا
الخبيث الضار ودربه على تركه، فأصبح من السهل عليه مقاطعته نهائيًا، وهكذا بقية
العادات السيئة، وإذا كانت الحكومات تضع دورات تدريبية للعاملين فيها ليتمرنوا على
مختلف الأعمال، فإن شهر رمضان يعتبر من أعظم الدورات التدريبية على فعل الخيرات
وترك المنكرات.
أيها المسلمون: بالأمس القريب كنا نترقب حلول هذا الشهر المبارك، واليوم -بكل مرارة وأسى- ننتظر انتقاله ونهايته، كما هي سُنَّة الله في خلقه، أن لكل مقيم في الدنيا ارتحالاً، ولكل موجود زوالاً،