×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء الثاني

ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ ٣ [العصر: 1- 3]، فأقسم الله تعالى بالعصر الذي هو الزمان الذي يعيش فيه الإنسان، أن كل إنسان خاسر إلا من اتصف بهذه الأوصاف الأربعة: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر على الحق، فهذه السورة العظيمة ميزان للأعمال يزن المؤمن بها نفسه فيبين له بها ربحه من خسرانه، ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله: لو فكر الناس كلهم فيها لكفتهم.

قال بعضهم: كان الصديقون يستحيون من الله أن يكونوا اليوم على مثل حالهم بالأمس، يشير إلى أنهم لا يرضون كل يوم إلا بالزيادة من عمل الخير، ويستحيون من عدم الزيادة، ويعدون ذلك خسرانًا، فالمؤمن لا يزداد بطول عمره إلا خيرًا، ومن كان كذلك فالحياة خير له من الموت، وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ» ([1])، وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إِلاَّ نَدِمَ»، قَالُوا: وَمَا نَدَامَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَدِمَ أَنْ لاَ يَكُونَ ازْدَادَ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا نَدِمَ أَنْ لاَ يَكُونَ نَزَعَ» ([2]).

رُئي بعض الموتى في المنام فقال: ما عندنا أكثر من الندامة، ولا عندكم أكثر من الغفلة. ورئي بعضهم في المنام فقال: ندمنا على أمر عظيم، نعلم ولا نعمل، وأنتم تعملون ولا تعلمون، والله لتسبيحة أو تسبيحتان، أو ركعة أو ركعتان في صحيفة أحدنا، أحب إلينا من الدنيا وما فيها.


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (2720).

([2])  أخرجه: الترمذي رقم (2403)، وابن المبارك في « الزهد والرقائق » رقم (33).