عباد الله: الأعمال بالخواتيم،
فمن أصلح فيما بقي غفر له ما مضى، ومن أساء فيما بقي أخذ بما مضى وما بقي، الموتى
يتحسرون على فوات «الحسنات الباقية، والأحياء يتحسرون على فوات» ([1]) أطماع الدنيا
الفانية، ما مضى من الدنيا وإن طالت أوقاته فقد ذهبت لذاته، وبقيت تبعاته، وكأن لم
يكن إذا جاء الموت وميقاته، قال الله عز وجل: ﴿أَفَرَءَيۡتَ إِن مَّتَّعۡنَٰهُمۡ سِنِينَ ٢٠٥ ثُمَّ جَآءَهُم مَّا
كَانُواْ يُوعَدُونَ ٢٠٦ مَآ
أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ ٢٠﴾ [الشعراء: 205- 207]، وفي صحيح البخاري
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ
أَجَلَهُ، حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً» ([2])، وفي سنن الترمذي: «أَعْمَارُ
أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ، إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ
ذَلِكَ» ([3]).
فيا من يفرح بكثرة مرور السنين عليه، إنما تفرح بنقص عمرك. قال بعض الحكماء: كيف يفرح من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره!، كيف يفرح من عمره يقوده إلى أجله، وحياته تقوده إلى موته! يؤتي يوم القيامة بأطول الناس أعمارًا في الدنيا من المترفين التاركين لطاعة الله المرتكبين للمعاصي، فيصبغ أحدهم في النار صبغة، ثم يقال له: هل رأيت في الدنيا خيرًا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا يا رب، ينسى كل نعيم الدنيا عند أول مس من العذاب، إنهم أولئك الذين أعطوا أعمارًا فضيعوها في اللهو والغفلة، وأعطوا أموالاً فبذروها في الشهوات المحرمة، عندما ذاقوا أول جزائهم
([1]) زيادة من طبعة دار المعارف.