والانشغال به عن ذكر الموت وما بعده، ثم بين
سبحانه عاقبة من اتصف بهذه الصفات ومصيره الذي ينتظره، بأنه سيطرح ويلقى في نار
حطمة موقدة شديد حرها، مغلقة الأبواب دائمًا وأبدًا لا يمكن الخروج منها، بقي أن
نعرف تفسير هذه الصفات التي رتبت عليها هذا العقوبات الشديدة لنأخذ حذرنا منها:
أما الهمزة: فهو الذي يهمز الناس بفعله، بمعني أنه يشير إليهم بيده وعينه على وجه التنقص والازدراء لهم. واللمزة: هو الذي يلمز الناس بقوله فيسلط لسانه بسبهم واغتيابهم والكلام في أعراضهم، ومن صفات هذه الهماز اللماز أيضًا لأنه لا هم له سوى جمع المال وتعديده والانشغال بتنميته، بالنهار يجمع هذا إلى هذا، وبالليل ينام كأنه جيفة منتنة، وقد أخذ عليه كل وقته ومع هذا لا رغبة له في الإنفاق في طرق الخيرات ﴿وَجَمَعَ فَأَوۡعَىٰٓ﴾ [المعارج: 18] ويظن أن هذا المال سيخلده في الدنيا، ويزيد في عمره، ولم يدر أن البخل يقصر العمر ويخرب الديار، وأن البر يزيد في العمر، وقد حمله إعجابه بماله على تنقص غيره فصار همزة لمزة، إن من كانت هذه صفاته: الهمز واللمز والانشغال بجمع المال عن الاستعداد للآخرة، سيكون مصيره وخيمًا، وعذابه أليمًا، سيلقى أسوأ مصير ﴿لَيُنۢبَذَنَّ فِي ٱلۡحُطَمَةِ﴾، أي: في نار تحطم ما يلقى فيها، وتهشمه بقوة. والحطمة: هي إحدى طبقات النار. ثم بين سبحانه أن هذه النار لا تتصورها العقول ولا تبلغ شدة هولها الأفهام، فقال: ﴿وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحُطَمَةُ *﴾، استفهام للتضخيم والتهويل، ثم بينها بقوله ﴿نَارُ ٱللَّهِ ٱلۡمُوقَدَةُ﴾، فإضافتها إلى الله لبيان عظم شأنها، وشدة هولها، وأخبر أنها موقدة دائمًا وأبدًا لا تطفأ ولا تبرد ﴿وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُۖ﴾ [البقرة: 24]. ﴿تَطَّلِعُ عَلَى ٱلۡأَفِۡٔدَةِ﴾، أي: يصل حرها إلى